من ﴿أتينا﴾ ﴿يا﴾ أي قلنا لأشد الأرض: يا ﴿جبال أوبي﴾ أي رجعي التسبيح وقراءة الزبور وغيرهما من ذكر الله ﴿معه﴾ أي كلما سبح، فهذه آية أرضية مما هو أشد الأرض بما هو وظيفة العقلاء، ولذلك عبر فيه بالأمر دلالة على عظيم القدرة.
ولما كانت الجبال أغلظ الأرض وأثقلها، وكان المعنى: دعونا الجبال للتأويب معه، فبادرت الإجابة لدعائنا، لما تقدم من أنها من جملة من أبى أن يحمل الأمانة، عطف على ذلك أخف الحيوان وألطفه، ليكون آية سماوية، على أنه يفعل في السماء ما يشاء، فإنه لو أمات الطائر في جو السماء لسقط، ولا فرق في ذلك بين عال وعال، فقال: ﴿والطير﴾ أي دعوناها أيضاً، فكانت ترجع معه الذكر فدل قرانها بالطير على ذكرها حقيقة كذكر الطير دفعاً لتوهم من يظنه رجع الصدا، وقراءة يعقوب بالرفع عطف على لفظ «جبال» وقراءة غيره عطف على موضعه، أو تكون الواو بمعنى مع أو بتقدير فعل من معنى ما مضى كسخرنا، قال وهب بن منبه: كان يقول للجبال: سبحي، وللطير: أجيبي، ثم يأخذ وهو في تلاوة الزبور بين ذلك بصوته الحسن، فلا يرى الناس منظراً أحسن من ذلك، ولا يسمعون شيئاً أطيب منه، وذلك كما كان الحصى يسبح في كف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكف أبي بكر


الصفحة التالية
Icon