ولم يسندوا الفعل إليهم نفياً للغرض عن أنفسهم وإلهاباً للمخاطبين فقالوا: ﴿يريد أن يصدكم﴾ أي بهذا الذي يتلوه ﴿عما كان﴾ دائماً ﴿يعبد آباؤكم﴾ أي لا قصد له إلا ذلك لتكونوا له أتباعاً، وألهبوا السامعين بتصوير آبائهم بذكر «كان» والفعل المضارع ملازمين للعبادة ليثبتوا على كفرهم بما لا دليل عليه ولا شبهة ولا داع سوى التقليد.
ولما كانت أدلة الكتاب واضحة، خافوا عاقبتها في قبول الاتباع لها، فجزموا بأنها كذب ليوقفوهم بذلك، فحكى ذلك عنهم سبحانه بقوله: ﴿وقالوا ما هذا﴾ أي القرآن ﴿إلا إفك﴾ أي كذب مصروف عن وجهه ﴿مفترى﴾ أي متعمد ما فيه من الصرف.
ولما كان فيه ما لا يشك أحد في حقيته، لبسوا عليهم بأنه خيال يوشك أن ينكشف إيقافاً لهم إلى وقت ما، فقال تعالى إخباراً عنهم: ﴿وقال﴾ ولما كان الحق قد يخفى، ولم يقيده بالبيان كما فعل في الآيات، أظهر موضع الإضمار بياناً للوصف الحامل لهم على ذلك القول وهو التدليس، فقال: ﴿الذين كفروا﴾ أي ستروا ما دلت عليه العقول من حقية القرآن، ﴿للحق﴾ أي الذي لا أثبت منه باعتبار كمال الحقية فيه ﴿لما جاءهم﴾ أي من غير أن يمهلوا النظر ولا تدبر ليقال إن الداعي لهم إلى ما قالوا نوه شبهة عرضت لهم، بل أظهروا بالمسارعة إلى الطعن أنه مما لا يتوقف فيه، وأكدوا لما تقدم من خوفهم على أتباعهم


الصفحة التالية
Icon