بأن يعرفوا الحق من غير شائبة حظ مما يكون في الجمع الكثير من الجدال واللفظ المانع من تهذيب الرأي وتثقيف الفكر وتنقية المعاني.
ولما كان ما طلب منهم هذا لأجله عظيماً جديراً بأن يهتم له هذا الاهتمام، أشار إليه بأداة التراخي فقال: ﴿ثم تتفكروا﴾ أي تجتهدوا بعد التأني وطول التروي في الفكر فيما وسمتم به صاحبكم من أمر الجنون. ولما كان بعده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من هذا آمراً لا يتمارى فيه، استأنف قوله معيناً بالتعبير بالصاحب مؤكداً تكذيباً لهم وتنبيهاً على ظهور مضمون هذا النفي: ﴿ما بصاحبكم﴾ أي الذي دعاكم إلى الله وقد بلوتموه صغيراً ويافعاً وشاباً وكهلاً، وأعرق في النفي بقوله: ﴿من جنة﴾ وخصها لأنها مما يمكن طروءه، ولم يعرّج على الكذب لأنه مما لا يمكن فيمن عاش بين أناس عمراً طويلاً ودهراً دهيراً يصحبهم ليلاً ونهاراً صباحاً ومساءً سراً وعلناً في السراء والضراء، وهو أعلاهم همة وأوفاهم مروءة، وأزكاهم خلائق وأظهرهم شمائل، وأبعدهم عن الأدناس ساحة في مطلق الكذب، فكيف بما يخالف أهواءهم فكيف بما ينسب إلى الله فكيف وكلامه الذي ينسب فيه إلى الكذب معجز بما فيه


الصفحة التالية
Icon