أرسلناه بما أرسلناهما به ﴿فقالوا﴾ أي الثلاثة بعد أن أتوهم وظهر لهم إصرارهم على التكذيب، مؤكدين بحسب ما رأوا من تكذيبهم: ﴿إنا إليكم﴾ أي لا إلى غيركم ﴿مرسلون * قالوا﴾ أي أهل القرية: ﴿ما أنتم﴾ أي وإن زاد عددكم ﴿إلا﴾ ولما نقض الاستثناء النفي زال شبهة ما تلبس فزال عملها فارتفع قوله: ﴿بشر مثلنا﴾ أي فما وجه الخصوصية لكم في كونكم رسلاً دوننا، ولما كان التقدير: فما أرسلتم إلينا بشيء، عطفوا عليه قوله: ﴿وما أنزل الرحمن﴾ أي العام الرحمة، فعموم رحمته مع استوائنا في عبوديته تقتضي أن يسوي بيننا في الرحمة فلا يخصكم بشيء دوننا، وأعرقوا في النفي بقولهم: ﴿من شيء﴾.
ولما كان الإتيان على ما ذكر محتملاً للغلط ونحوه، قالوا دافعين لذلك: ﴿إن﴾ أي ما ﴿أنتم إلا تكذبون *﴾ أي حالاً ومآلاً ﴿قالوا﴾ أي الرسل: ﴿ربنا﴾ أي الذي لو لم يكن لنا وازع عن الكذب عليه إلا إحسانه إلينا لكان كافياً ﴿يعلم﴾ أي ولذلك يظهر على أيدينا الآيات، ويحمينا ممن يكيدنا، وهذه العبارة تجري مجرى القسم، وكذا نحو ﴿شهد الله﴾. ولما واجهوهم بهذا التكذيب المبالغ في تأكيده زادوا في تأكيد جوابه فقالوا: ﴿إنا إليكم﴾ أي خاصة ﴿لمرسلون *﴾ ما أتيناكم غلطاً ولا كذباً، فالأول ابتداء أخبار، وهذان جوابا إنكار، فأعطى كلاًّ ما يستحق.