﴿وما﴾ أي وأيّ شيء ﴿لي﴾ في أني ﴿لا أعبد الذي فطرني﴾ أي وإليه أرجع، فله مبدئي ومعادي، وما لكم لا تعبدون الذي فطركم ﴿وإليه﴾ أي لا إلى غيره ﴿ترجعون *﴾ كذلك فهو يستحق العبادة شكراً لما أنعم به في الابتداء وخوفاً من عاقبته في الانتهاء فالآية من الاحتباك: حذف «وإليه أرجع» أولاً لما دل عليه ثانياً، وإنكاره عليهم ثانياً بما دل عليه أولاً من إنكاره على نفسه استجلاباً لهم بإظهار الإنصاف، والبعد عن التصريح بالخلاف، وفيه تنبيه لهم على موجب الشكر، وتهديد على ارتكاب الكفر.
ولما أمر صريحاً ونهى تلويحاً، ورغب ورهب، ووبخ وقرع، وبين جلالة من آمن به ومن كانوا سبباً في ذلك، أنكر على من يفعل غيره بالإنكار على نفسه، محقراً لمن عبدوه من دون الله وهو غارقون في نعمه، فقال مشيراً بصيغة الافتعال إلى أن في ذلك مخالفة للفطرة الأولى: ﴿ءأتخذ﴾ وبين علو رتبته سبحانه بقوله: ﴿من دونه﴾ أي سواء مع دنو المنزلة؛ وبين عجز ما عبدوه بتعدده فقال: ﴿آلهة﴾ ثم حقق ذلك بقوله مبيناً بأداة الشك أن النفع أكثر من الضر ترغيباً فيه سبحانه: ﴿إن يردن﴾ إرادة خفيفة بما أشار إليه حذف الياء، أو شديدة بما أشار إليه إثباتها، ظاهرة بما دل عليه تحريكها، أو خفية بما نبه عليه إسكانها.