ولما كان السياق لإثبات الوحدانية والإعلام بأن ما عبد من دونه لا استحقاق له في ذلك بوجه، ولا نفع بيده ولا ضر، وأنتج هذا السياق بما دل عليه من تفرده بكل كمال وأنه لا أمر لأحد معه بوجه من الوجوه - تنزهه عما ادعوه من الشرك غاية التنزه، قال لافتاً للكلام عن مظهر العظمة لأن إثباتها بالرحمة الدال عليها أدخل في التعظيم: ﴿سبحان الذي﴾ ووصفه بما أكد ما مضى من إسناد الأمور كلها إليه ونفى كل شيء منها عمن سواه فقال: ﴿خلق الأزواج﴾ أي الأنواع المتشاكلة المتباينة في الأوصاف وفي الطعوم والأرابيح والأشكال والهيئات والطبائع وغير ذلك من أمور لا يحصيها إلا الله تدل أعظم دلالة على كمال القدرة وعظيم الحكمة والاختيار في الإرادة، وأكد بقوله: ﴿كلها﴾ لإفادة التعميم؛ ثم زاد الأمر تصريحاً بالبيان بقوله: ﴿مما تنبت الأرض﴾ فدخل فيه من كل نجم وشجر ومعدن وغيره من كل ما يتولد منها، وأشار - لكونه في سياق تكذيبهم - إلى تأديبهم بتحقيرهم بجمع القلة والتعبير بالنفس التي تطلق في الغالب على ما يذم به فقال: ﴿ومن أنفسهم﴾ وبين أن وراء ذلك أموراً لا يعلمها إلا هو سبحانه فقال: ﴿ومما لا يعلمون *﴾ أي ومما لا يحتاجون إليه


الصفحة التالية
Icon