وهوّل أمر ذلك اليوم بإعادة ذكره على حد ما مضى فقال: ﴿اليوم﴾ لتكونوا في شغل شاغل كما كان أصحاب الجنة، وشتان ما بين الشغلين ﴿بما﴾ أي بسبب ما. ولما كانوا قد تجلدوا على الطغيان تجلد من هو مجبول عيله، بيّن ذلك بذكر الكون فقال: ﴿كنتم تكفرون *﴾ أي تسترون ما هو ظاهر جداً بعقولكم من آياتي مجددين ذلك مستمرين عليه.
ولما كان كأنه قيل: هل يحكم فيهم بعلمه أو يجري الأمر على قاعدة الدنيا في العمل بالبينة، بين أنه على أظهر من قواعد الدنيا، فقال مهولاً لليوم على النسق الماضي في مظهر العظمة لأنه أليق بالتهويل: ﴿اليوم نختم﴾ أي بما لنا من عجيب القدرة المنشعبة من العظمة، ولفت القول إلى الغيبة إيذاناً بالإعراض لتناهي الغضب فقال: ﴿على أفواههم﴾ أي لاجترائهم على الكذب في الأخرى كما كان ديدنهم في الدنيا، وكان الروغان والكذب والفساد إنما يكون باللسان المعرب عن القلب، وأما بقية الجوارح فمهما خرق العادة بإقدارها على الكلام لم تنطق إلا بالحق فلذلك قال: ﴿وتكلمنا أيديهم﴾ أي بما عملوا إقراراً هو أعظم شهادة ﴿وتشهد أرجلهم﴾


الصفحة التالية
Icon