عظيم الانزعاج والوجل، كما اتفق لقوم لوط عليه السلام لما مسح جبريل عليه السلام أعينهم فأغشاها حين بادروا الباب هراباً يقولون: عند لوط أسحر الناس، سبب عن ذلك قوله: ﴿فاستبقوا﴾ أي كلفوا أنفسهم ذلك وأوجدوه. ولما كان المقصود بيان إسراعهم في الهرب، عدى الفعل مضمناً له معنى ﴿ابتدروا﴾ كما قال تعالى: ﴿واستبقوا الخيرات﴾ [البقرة: ١٤٨] فقال: ﴿الصراط﴾ أي الطريق الواضح الذي ألفوه واعتادوه، ولهم به غاية المعرفة. ولما كان الأعمى لا يمكنه في مثل هذه الحالة المشي بلا قائد فضلاً عن المسابقة، سبب عن ذلك قوله منكراً: ﴿فأنى﴾ أي كيف ومن أين ﴿يبصرون *﴾ أي فلم يهتدوا للصراط لعدم إبصارهم بل تصادموا فتساقطوا في المهالك وتهافتوا.
ولما كان هذا كله مع القدرة على الحركة قال: ﴿ولو نشاء﴾ أي أن نمسخهم ﴿لمسخناهم﴾ أي حولناهم إلى الجمادية فأبطلنا منهم الحركة الإرادية. ولما كان المقصود المفاجأة بهذه المصائب بياناً لأنه سبحانه لا كلفة عليه في شي من ذلك قال: ﴿على مكانتهم﴾ أي المكان الذي كان قبل المسخ كل شخص منه شاغلاً له بجلوس أو قيام أو غيره في ذلك الموضع خاصة قبل أن يتحرك منه، وهو معنى قراءة شعبة عن عاصم «مكانتهم» ودل على أن المراد التحويل إلى أحوال الجمادية بما سبب عن ذلك من قوله: ﴿فما استطاعوا﴾ أي بأنفسهم


الصفحة التالية
Icon