هذه الدناءة طبعناه على جميع فنون البلاغة، ومكناه من سائر وجوه الفصاحة، ثم أسكنا قلبه ينابيع الحكمة، ودربناه على إلقاء المعاني الجليلة وإن دقت في الألفاظ الجزلة العذبة السهلة موزونة كانت أو لا، وذلك بما ألهمناه إياه ثم بما ألقاه إليه جبريل عليه السلام مما أمرنا له به من جوامع الكلم والكلام، فلا تكلف عنده أصلاً، ما خير بين الأمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً أو قطيعة رحم، وهذا البيت الذي أوردته عزاه في الحماسة في أوائل باب الأدب إلى رجل من بني قريع لم يسمه وقبله:
متى ما يرى الناس الغني وجاره | فقير يقولوا عاجز وجليد |
وليس الغنى والفقر من حيلة الفتى | ولكن أحاظ قسمت وجدود |
إذا المرء أعيته المروءة ناشئاً | فمطلبها كهلاً عليه شديد |
وكائن رأينا من غنى مذمم | وصعلوك قوم مات وهو حميد |