البقرة: ٦].
ولما علم طاعته، تشوف السامع إلى استسلامه وصبره، فاستأنف قوله: ﴿ستجدني﴾ أي بوعد جازم لا تردد فيه صادق كما أخبر الله تعالى عنه، لا خلف فيه، وكان صادق الوعد.
ولما كان من أخلاق الكمل عدم القطع في المستقبلات لما يعلمون من قدرة الله تعالى على نقض العزائم بالحيلولة بين المرء وقلبه قال: ﴿إن شاء الله﴾ أي الذي اختص بالإحاطة بصفات الكمال؛ وأكد وعده بهذا الأمر الذي لا يكاد يصدق مثله بقوله: ﴿من الصابرين﴾ أي العريقين في الصبر البالغين فيه حد النهاية، وهو من أعظم ما أريد بقوله ﴿وكان صادق الوعد﴾ [مريم: ٥٤].

ولو بيد الحبيب سقيت سماً لكان السم من يده يطيب
وجعل هذا الأمر العظيم في المنام دلالة على صدق أحوال الأنبياء نوماً ويقظة، وصدق عزائمهم وانقيادهم لجميع الأوامر في جميع الأحوال، وروي أن الشيطان وسوس له في ذبحه فعرفه فرماه بسبع حصيات فصار ذلك شريعة في الجمار، ومن ألطف ما في ذلك أنهم لما كانوا في نهاية التجرد عن علائق الشواغل جعلت أفعالهم شعائر وشرائع لعبادة الحج التي روحها التجرد للوفود إلى الله تعالى.
ولما وثق منه، بادر إلى ما أمر به، ودل على قرب زمنه من زمن هذا القول بالفاء فقال: ﴿فلما أسلما﴾ أي ألقيا بالفعل على غاية الإخلاص حين المباشرة بجميع قواهما في يد الأمر، ولم يكن عند أحد منهما شيء من إباء ولا امتناع ولا حديث نفس في شيء من ذلك


الصفحة التالية
Icon