قد أفاض نعمه على خلقه، وأسبغها ظاهرة وباطنة، وجعل لهم قدرة على تناولها. لا يعوق عنه إلا قدرته ﴿وما كان عطاء ربك محظوراً﴾ وكان لا ينقص ما عنده، كان إعطاؤه حمداً ومنعه حمداً، لأنه لا يكون مانعاً لغرض بل لحكمة تدق عن الأفكار فقال: ﴿الحميد *﴾ أي كل شيء بنعمته عنده والمستحق للحمد بذاته، فأنتج ذلك قطعاً تهديداً لمن عصاه وتحذيراً شديداً: ﴿إن يشأ يذهبكم﴾ أي جميعاً ﴿ويأت بخلق جديد *﴾ أي غيركم لأنه على كل شيء قدير ﴿وما ذلك﴾ أي الأمر العظيم من الإذهاب والإتيان ﴿على الله﴾ المحيط بجميع صفات الكمال خاصة ﴿بعزيز *﴾ أي بممتنع ولا شاق، وهو محمود عند الإعدام كما هو محمود عند الإيجاد.
ولما أنهى سبحانه بيان الحق بالدلائل القاطعة والبراهين الساطعة بالتهديد بالأخذ، وكان الأخذ على وجه التهديد عقاباً، وكان العقاب لا يكون حكمه إلا عند الذنب، قال دالاً على أنه لا ينفك أحد عما يستحق به العقاب: ﴿ولا﴾ أي يذهبكم عقوبة لكم بأوزاركم وقدرة عليكم والحال أنه لا ﴿تزر﴾ أي تحمل يوم القيامة أو عند الإذهاب، ولما لم تكن نفس متأهلة للحمل تخلو من وزر تحمله، والمعصوم


الصفحة التالية
Icon