مقرب للآخرة، فالمعنى أن ذكرهم لها خالص عن سواه لا يشاركه فيه شيء ولا يشوبه شوب أصلاً.
ولما دلت هذه الجملة على هذا المدح البليغ، عطف عليه ما يلازم الإخلاص فقال مؤكداً لمثل ما تقدم من التنبيه على أنهم ممن يغتبط بمدحهم، ورداً على من ربما ظن خلاف ذلك بكثرة مصائبهم في الدنيا: ﴿وإنهم عندنا﴾ أي على ما لنا من العظمة والخبرة ﴿لمن المصطفين﴾ المبالغ في تصفيتهم مبالغة كأنها بعلاج ﴿الأخيار *﴾ الذين كل واحد منهم بخير بليغ في الخير، وإصابتنا إياهم بالمصائب دليل ذلك لا دليل عكسه كما يظنه من طمس قلبه، والآية من الاحتباك: ذكر ﴿أخلصناهم﴾ أولاً دليل على ﴿اصطفيناهم﴾ ثانياً، و ﴿المصطفين﴾ دليلاً على ﴿المخلصين﴾ أولاً، وسر ذلك أن الإخلاص يلزم منه الاصطفاء، لا سيما إذا أسنده إليه بخلاف العكس بدليل ﴿ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه﴾ [فاطر: ٣٢].
ولما أتم الأمر بذكر الخليل وابنه عليهما السلام الذي لم يخرج من كنفه قط ونافلته المبشر به للتأسي بهم في صبرهم الدين وإن خالفهم من خالفهم، أتبعه ولده الذي أمر بالتجرد عنه مرة بالإسكان عند البيت الحرام ليصير أصلاً برأسه في أشرف البقاع، ومرة بالأمر بذبحه في تلك المشاعر الكرام، فصار ما أضيف إليه من الأحوال


الصفحة التالية
Icon