ظهر لبعض العمى غير ذلك مما يبدو من الكذبة والكفرة من أعمال مزينة وأفكار دقيقة فتظن هدى وإنما هي استدراج. ولما أرشد السياق إلى أن المعنى: لأنهم غير مهتدين لأن الله لم يخلق الهداية في قلوبهم، نسق به قوله: ﴿إن الله﴾ أي الملك القادر القاهر الحكيم. ولما كان الأصل: لا يهديهم وأراد سبحانه التعميم وتعليق الحكم بالوصف تنفيراً عنه قال: ﴿لا يهدي﴾ أي لا يخلق الهداية في قلب ﴿من هو﴾ أي لضميره ﴿كاذب﴾ أي مرتكب الكذب عريق فيه حتى أداه كذبه إلى أن يقول على ملك الملوك أن شيئاً يقرب إليه بغير إذنه، ويخضع بالعبادة التي هي نهاية التعظيم، فهي لا تليق بغير من ينعم غاية الإنعام لمن لا يملك ضراً ولا نفعاً، ولم يعبر في الكذب بصيغة مبالغة لأن الذين السياق لهم لم يقع منهم كذب إلا في ادعائهم أنهم يقربونهم.
ولما كان من كفر في حين من الدهر قد ضاعف كفره لكثرة ما على الوحدانية من الدلائل وما لله عليه من الإحسان، وكان هؤلاء الذين لهم السياق قد كفروا بتأهيلهم لشركائهم للعبادة ولعبادتهم بالفعل ولادعائهم فيهم التقريب قال ﴿كفار﴾ بصيغة المبالغة، والأحسن أن يقال: إن المبالغة لإفهام أن الذي لا يهديه إنما هو من ختم عليه سبحانه الموت على ذلك، قال القشيري: والإشارة إلى تهديد من يتعرض لغير مقامه ويدعي شيئاً ليس بصادق فيه فالله لا يهديه قط إلى ما فيه سداده ورشده، وعقوبته أن يحرمه ذلك الشيء الذي تصدى له بدعواه قبل تحققه بوجوده وذوقه.
ولما أخبر سبحانه بالحكم بينهم، فكان ذلك مع تضمنه التهديد وافياً بنفي الشريك، كافياً في ذلك لأن المحكوم فيه لا يجوز أن يكون قسيماً للحاكم، فلم يبق في شيء من ذلك شبهة إلا عند ادعاء الولدية، قال نافياً لها على سبيل الاستئناف جواباً لمن يقول: فما حال من يتولى الولد؟ - قال القشيري: والمحال يذكر على جهة الإبعاد أن لو كان كيف حكمه -: ﴿لو أراد الله﴾ أي الذي له الإحاطة بصفات الكمال ﴿أن يتخذ﴾ أي يتكلف كما هو دأبكم، ولا يسوغ في عقل أن الإله يكون متكلفاً ﴿ولداً﴾ أي كما زعم من زعم ذلك، ولما كان الولد لا يراد إلا أن يكون خياراً، وكان الله قادراً على كل شيء، عدل عن أن يقول ﴿لاتخذ﴾ إلى قوله: ﴿لاصطفى﴾ أي اختار على سبيل التبني ﴿مما يخلق﴾ أي يبدعه في أسرع من الطرف، وعبر بالأداة التي أكثر استعمالها فيما لا يعقل إشارة إلى أنه قادر على جعل أقل الأشياء