وبما له من أمور اضطرارية لا محيص له عنها، وأمور اختيارية موكولة في الظاهر إلى مشيئته، وكان أعجبه خلقاً الإنسان بما له من قوة النطق، قال دالاً على ما دل عليه بخلق الخافقين لافتاً القول إلى خطاب النوع كله إيذاناً بتأهلهم للخطاب، وترقيهم في عُلا الأسباب، من غير عطف إيذاناً بأن كلاًّ من خلقهم وخلق ما قبلهم مستقل بالدلالة على ما سيق له: ﴿خلقكم﴾ أي أيها الناس المدعون لإلهية غيره ﴿من نفس واحدة﴾ هي آدم عليه السلام.
ولما كان إيجادنا منها بعد شق الأنثى منها، قال عاطفاً على ما تقديره: أوجدها من تراب، مبيناً بلفظ الجعل أن الذكر هو سببها ومادتها منبهاً بأداة التراخي على القهر الذي السياق له بالتراخي في الزمان بتأخير المسبب عن سببه المقتضي له إلى حين مشيئته لأن إيجادها منه كان بعد مدة من إيجاده، والأصل في الأسباب ترتب المسببات عليها من غير مهلة وعلى التراخي في الرتبة أيضاً بأن ذلك - لكونه شديد المباينة لأصله - من أعجب العجب: ﴿ثم﴾ أي بعد حين، وعبر بالجعل لأنه كافٍ في نفي الشركة التي هذا أسلوبها وليبين أنه ما خلق آدم عليه السلام إلا ليكون سبباً لما يحدث عنه من الذرية ليترتب على ذلك إظهار ما له