لأن هذا التمتع إنما هو سبب هذا الكفران استدراجاً مع الإعراض المؤذن بالغضب ﴿قل﴾ أي يا أحب خلقنا إلينا المستحق للإقبال عليه بالخطاب، لهذا الذي قد حكم بكفره مهدداً له بما يقوته بلذيذ عيشه في الدنيا من الفيض من الجناب الأقدس ويؤول إليه أمره من العذاب الأكبر: ﴿تمتع﴾ أي في هذه الدنيا التي هي وكل ما فيها - مع كونه زائلاً - يفيض إلى الله، فهو من جملة المقت إلا لمن صرفه في طاعة الله.
ولما ذكر تمتيعه بالخسيس، ذكر سببه الخسيس تعظيماً لأجور المؤمنين لانصرافهم عن الكفر مع علمهم بأنه من أسباب التمنيع وبياناً لذوي الهمم العوال من غيرهم فقال: ﴿بكفرك﴾ ثم أشار إلى قلة زمن الدنيا وما فيها في جنب الآخرة فقال: ﴿قليلاً﴾ ثم علل ذلك بما إذا غمس في عذابه أنعم أهل الدنيا غمسة واحدة قال: ما رأيت نعيماً قط، فقال مؤكداً لأجل تكذيبهم بالنار، ودفعاً لما استقر في نفوسهم أن تنعيمهم في الدنيا إنما هو لقربهم من الله ومحبته لهم، وأن ذلك يتصل بنعيم الآخرة على تقدير كونها: ﴿إنك﴾ وهذا الأمر هنا يراد به الزجر، تقديره: إن تمتعت هكذا كنت ﴿من أصحاب النار *﴾ أي الذين لم يخلفوا إلا لها {ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس