في الحكمة تركهم هملاً كما هو مقرر في العقول وموجود في الفطر الأولى، ومعلوم بالمشاهدة من أحوالهم فينعم على المظلوم، وينتقم من الظالم، وكان الكاذب في أقل الأشياء ظالماً، وأظلم منه الكاذب على الأكابر، وأظلم الظالمين الكاذب على الله، قال تعالى مسبباً عما مضى: ﴿فمن أظلم﴾ أي منهم - هكذ كان الأصل ولكنه قال: ﴿ممن كذب﴾ تعميماً وتعليقاً بالوصف، فكفر بستر الصدق الثابت وإظهار ما لا حقيقة له.
ولما كان الكذب عظيم القباحة في نفسه فكيف إذا كان كما مضى على الأكابر فكيف إذا كانوا ملوكاً، فكيف إذا كان على ملك الملوك، لفت القول إلى مظهر الاسم الأعظم تنبيهاً على ذلك فقال: ﴿على الله﴾ أي الذي الكبرياء رداؤه والعظمة إزاره، فمن نازعه واحدة منهما قصمه، فزعم فب كذبه أن له سبحانه أنداداً، وشركاء وأولاداً.
ولما كان وقوع الحساب يوم القيامة حقاً لكونه واقعاً لا محالة وقوعاً يطابق الخبر عنه، لما علم من أنه لا يليق في الحكمة غيره لما علم من أن أقل الخلق لا يرضى أن يترك عبيده سدى، فكيف بالخالق؟ فكان الخبر به صدقاً لوقوع العلم القطعي بأنه يطابق ذلك الواقع قال: ﴿وكذب﴾ أي أوقع التكذيب لكل من أخبره ﴿بالصدق﴾ أي الإخبار بأن الله واحد وأنه يبعث الخلائق للجزاء المطابق


الصفحة التالية
Icon