في الظاهر علة للنقمة، وهدى لآخرين فيكون هداهم سبباً للنعمة، بلغ النهاية في الحسن قوله: ﴿أليس الله﴾ أي الذي بيده كل شيء ﴿بعزيز﴾ أي غالب لما يريد في إضلاله قوماً يدعون أنهم النهاية في كمال العقول لما هدى به غيرهم ﴿ذي انتقام *﴾ أي له هذا الوصف، فمن أراد النقمة منه سلط عليه ما يريد مما يحزنه ويذله كما أنه إذا أراد يعميه عن أنور النور ويضله.
ولما علم بهذه البراهين أنه سبحانه المتصرف في المعاني بتصرفه في القلوب بالهداية والإضلال، وكان التقدير: فلئن قررتم بهذا الاستفهام الإنكاري ليقولن: بلى! عطف عليه بيان أن الخالق للذات كما أنه المالك للمعاني والصفات، فقال مفسداً لدينهم باعترافهم بأصلين: القدرة التامة له والعجز الكامل لمعبوداتهم: ﴿ولئن سألتهم﴾ أي فقلت لمن شئت منهم فرادى أو مجتمعين: ﴿من خلق السماوات﴾ أي على ما لها من الاتساع والعظمة والارتفاع ﴿والأرض﴾ على ما لها من العجائب وفيها من الانتفاع ﴿ليقولن﴾ بعد تخويفهم لك بشركائهم الذين هم من جملة خلق من أرسلك بما أنت فيه: الذي خلقها ﴿الله﴾ أي وحده الذي لا سمي له وإلباس بوجه في أمره، ولا يصدهم عن ذلك الحياء من التناقض ولا الخوف من التهافت بالتعارض.


الصفحة التالية
Icon