ولما كان تطاول الإقامة على شيء موجباً للإلف له، والإلف قتال لما يوجب من الإصرار على المألوف لمحبته «وحبك للشيء يعمي ويصم» قال جواباً لمن يتوقع الجواب عما أثمرته حالهم: ﴿لقد حق القول﴾ أي الكامل في بابه وهو إيجاب العذاب بملازمة الغفلة ﴿على أكثرهم فهم﴾ أي بسبب ذلك ﴿لا يؤمنون *﴾ أي بما يلقى إليهم من الإنذار بل يزيدهم عمى استكباراً في الأرض ومكر السيىء.
ولما كان المعنى أنه لا يتجدد منهم إيمان بعد البيان الواضح والحكمة الباهرة، وكان ذلك أمراً عجباً، علله بما يوجبه من تمثيل حالهم تصويراً لعزته سبحانه وباهر عظمته الذي لفت الكلام إليه لإفهامه - وهذا الذي ذكر هو اليوم معنى ومثال وفي الآخرة ذات ظاهر - وأنه ما انفك عنهم أصلاً وما زال، فقال: ﴿إنا جعلنا﴾ أي بما لنا من العظمة، وأكده لما لهم من التكذيب ﴿في أعناقهم أغلالاً﴾ أي من ظلمات الضلالات كل عنق غل، وأشار بالظرف إلى أنها من ضيقها لزت اللحم حتى تثنى على الحديد فكاد يغطيه فصار - والعنق فيه - كأنه فيها وهي محيطة به.
ولما كان من المعلوم أن الحديد إذا وضع في العنق أنزله ثقله