لم يكونوا يعلمون إتيانهم، فالخلف كناية عن الخفاء، والقدام عن الجلاء، ولا شك أن الإنسان لما انقاد له من قبله فسمعه منه أقبل مما رآه بعينه، لأن النفس لا تنقاد لما خالفها إلا بعد جدال وجهاد، فإذا تطاول الزمن وانقاد له الغير، سهل عليها الأمر، وخف عليها الخطب، وأيضاً الآتي إلى ناس إنما يأتيهم بعد وجودهم وبلوغهم حد التكليف، فهو بهذا آتٍ إليهم من ورائهم أي بعد وجودهم أو يكون ما بين الأيدي هو من جاءهم لأنهم علموا بمجيئه علم من ينظر من قدامه، وما خلفهم ما غاب عنهم ممن تقدمهم، فلم تنقل إليهم أخبارهم إلا على وجوه تحتمل الطعن، أو المعنى: أتاهم رسولهم الذي هو بإظهار المعجزة كجميع الرسل بالوعظ من كل جانب يخفى عليهم أو يتضح لهم وأعمل فيهم كل حيلة بكل حجة حتى لم يدع لهم شبهة، ثم بين أن مجيء الرسل ينفي عبادة غير الله وقصر العبادة عليه، فقال مظهراً مع العبادة الاسم الذي هو أولى بها: ﴿أن﴾ أي بأن قولوا لهم ﴿لا تعبدوا إلا الله﴾ أي الذي له جميع صفات الكمال.


الصفحة التالية
Icon