أو ينسى ما كان يقول، وهذا يدل على أنهم عارفون بأن من سمعه ولا هوى عنده مال إليه وأقبل بكليته عليه، وقد فضحوا أنفسهم بهذا فضيحة لا مثل لها، وذلك لأنهم تحدوا به في أن يأتوا بشيء من مثله ليعدوا غالبين فلم يجدوا شيئاً يترجون به الغلب إلا الصفير والتصفيق ونحوه من اللغو في معارضة ما علا من أعلى ذرى الكلام إلى حيث لا مطمع ولا مرام، فلا يفيد ما أتوا به معنى غير أنهم عاجزون عن المعارضة قاطعون بأنهم متى أتوا بشيء منها افتضحوا، وقطع كل من سمعه بأنهم مغلوبون.
ولما استحقوا بهذا العقوبة، سبب عن ذلك مؤكداً لإنكارهم قوله تعالى: ﴿فلنذيقن﴾ وأظهر في موضع الإضمار تعميماً بالوصف فقال: ﴿الذين كفروا﴾ أي هؤلاء وغيرهم ﴿عذاباً شديداً﴾ في الدنيا بالحرمان وما يتبعه من فنون الهوان وفي الآخرة بالنيران ﴿ولنجزينهم﴾ أي بأعمالهم. ولما كان من قدر على الأغلظ، قدر على ما دونه قال: ﴿أسوأ﴾ أي جزاء أسوأ العمل ﴿الذين كانوا﴾ بما هو لهم كالغرائز ﴿يعملون *﴾ مواظبين عليه.
ولما أبلغ سبحانه في الترهيب من عقابهم، زاد في تعظيمه وفضله لطفاً لمن أراد هدايته من عباده وإقامة الحجة على غيرهم فقال:


الصفحة التالية
Icon