كأنهم كانوا لما هم عريقون فيه من الجهل وسوء الطبع يتوقعون أن يظفروا بهم فيشفعوا لهم، فلذلك عبر بالظن في قوله: ﴿وظنوا﴾ أي في ذلك الحال ﴿ما لهم﴾ وأبلغ في النفي بإدخال الجار على المبتدأ المؤخر فقال ﴿من محيص *﴾ أي مهرب وملجأ ومعدل.
ولما دل أتباعهم للظن حتى في ذلك اليوم الذي تنكشف فيه الأمور، وتظهر عظائم المقدور، وإلقاؤهم بأيديهم فيه على أنهم في غاية العراقة في الجهل والرسوخ في العجز، أتبع ذلك الدليل على أن ذلك طبع هذا النوع فلا يزال متبدل الأحوال متغير المناهج، إن أحسن بخير انتفخ عظمه وتطاول كبراً، وإن مس ببلاء تضاءل ذلاً وأمتلأ ضعفاً وعجزاً، وذلك ضد مقصود السورة الذي هو العلم، بياناً لأن حال هذا النوع بعيد من العلم، عريق الصفات في الجهل والشر إلا من عصمه الله فقال تعالى: ﴿لا يسئم﴾ أي يمل ويضجر ﴿الإنسان﴾ أي من الأنس بنفسه الناظر في أعطافه، الذي لم يتأهل للمعارف الإلهية والطرق الشرعية ﴿من دعاء الخير﴾ أي من طلبه طلباً عظيماً، وذلك دال مع شرهه على جهله، فإنه لو كان عالماً بأن الخير يأتيه أو لا يأتيه لخفف عن نفسه من جهده في الدعاء ﴿ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء﴾ [الأعراف: ١٨٨] ﴿وإن مسه الشر﴾ أي هذا النوع قليله وكثيره بغتة من جهة لا يتوقعها ﴿فيؤوس﴾ أي عريق في اليأس، وهو انقطاع الرجاء والأمل والحزن العظيم والقطع بلزوم تلك الحالة


الصفحة التالية
Icon