أن خلقكم من الأرض ﴿من أنفسكم أزواجاً﴾ يكون بالسكون إليها بقاء نوعكم، ولما كانت الأنعام ومنافعها لأجلنا قال: ﴿ومن﴾ أي وجعل لكم من ﴿الأنعام﴾ الي هي أموالكم وجمالكم وبها أعظم قوامكم ﴿أزواجاً﴾ أي من أنفسها، يكون بها أيضاً بقاء نوعها، وكذا جميع الحيوانات، ومعنى قوله مغلباً العقلاء: ﴿يذرؤكم﴾ أي يخلقكم ويكثركم ولما كان الأزواج في غاية المحبة للزواج بحيث إنه مستول على القلوب، كان كأنه محيط بهم فقال: ﴿فيه﴾ أي في ذلك التزاوج بحيث يجعلكم مولعين به، من قوله ذراه: خلقه وكثره وأولعه بالشيء، فيكون لكم في الأزواج من البشر نطفاً وجمالاً وولادة، وفي الأنعام غذاء وشراباً واكلاً، وغير ذلك مما لكم فيه من المنافع، ولا تزالون في هذا الوجه من الخلق والتزاوج نسلاً بعد نسل وجيلاً بعد جيل.
ولما تقرر في الأوهام وثبت في كثير من الأذهان أنه لا يكون شيء إلا بسبب التزواج، كان ربما سرى شيء من هذا الوهم في حق الخالق سبحانه فنفاه على أبلغ وجه بقوله: استئنافاً في جواب من يسأل عنه: ﴿ليس﴾ وقدم الخبر لأن المراد نفيه فأولاه النافي دلالة على شدة العناية بنفسه فقال: ﴿كمثله﴾ أي مثل