ولما كان مطلق البغي منافياً لمكارم الأخلاق، فكان ارتكابه عجباً، زاد في التعجب منه ببيان أن البغي لم يعد جماعتهم إلى غيرها، بل كان خاصاً بها، فقال: ﴿بينهم﴾.
ولما كان ذلك يقتضي المعالجة، قال عاطفاً على ما تقديره: فلولا قدرة الله ولطفه لما اجتمعوا بعد الفرقة أبداً: ﴿ولولا كلمة﴾ أي لا تبديل لها ﴿سبقت﴾ أي في الأزل بتأخيرهم إلى آجالهم. ولما كان إمهالهم والرفق بهم رحمة لهم، بين أن ذلك إنما هو لأجل خير الخلق ليكونوا أتباعاً له فيزدادوا لذلك شرفاً، وأفرده بالذكر تنبيهاً على ذلك فقال مؤنساً له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلفت الكلام إلى صفة الإحسان إرضاء له بما يرجوه في امته، وزاد ذلك بالإضافة إلى ضميره فأفهم أن إحسانه إليهم إحسان يليق بمقامه، ويلتئم بمراده الشريف ومرامه: ﴿من ربك﴾ أي المحسن إليك بجعلك خير الخلائق وإمامهم، سبقت الكلمة بإمهالهم ﴿إلى أجل مسمى﴾ ضربه لآجالهم ثم لجمعهم في الآخرة ﴿لقضي﴾ على أيسر وجه وأسهله ﴿بينهم﴾ حين الافتراق بإهلاك الظالم وإنجاء المحق.
ولما أخبر عن حال المتقدمين، وكان من في زمانه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أهل الكتاب يدعون غاية العلم بها والاجتماع عليها، وهي كلها داعية إلى المبادرة إلى إرث هذا الكتاب الخاتم الجامع،


الصفحة التالية
Icon