من كونها ﴿يستعجل بها﴾ أي يطلب أن تكون قبل الوقت المضروب لها ﴿الذين لا يؤمنون بها﴾ أي لا يتجدد لهم ذلك أصلاً وهم غير مشفقين منها ويظنون أنها الباطل، وكان الحال يقتضي أن يكونوا أنفر الناس منها لكن حملهم على ذلك تكذيبهم بها واستهزاؤهم وظنهم عدم كونها جهلاً ممن هم معترفون بقدرته وعلوه وعظمته.
ولما دل على جهل الكافرين، دل على أضدادهم فقال: ﴿والذين آمنوا﴾ وإن كانوا في أول درجات الإيمان ﴿مشفقون﴾ أي خائفون خوفاً عظيماً ﴿منها﴾ لأن الله هداهم بإيمانهم، فصارت صدورهم معادن المعارف، وقلوبهم منابع الأنوار، فأيقنوا بما فيها من الأهوال الكبار، فخافوا للطافتهم أن يكونوا مع صلاحهم من أهل النار. ولما قدم الإشفاق تنبيهاً على أن العاقل ينبغي أن يخشى ما يمكن وقوعه، قال: ﴿ويعلمون أنها الحق﴾ إعلاماً بأنهم على بصيرة من أمرها، فهم لا يستعجلون بها، فالآية من الاحتباك: ذكر الاستعجال أولاً دليلاً على حذف ضده ثانياً، والإشفاق ثانيا دليلاً عل حذف ضده أولاً. قال ابن كثير: وقد روي من طرق تبلغ درجة التواتر في الصحاح والحسان والسنن والمسانيد «أن رجلاً سأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ