نفساً وأعلاكم همة وأرجحكم عقلاً وأوفاكم أمانة وأكرمكم خلقاً وأوجهكم عشيرة، فعطف قوله تأنيساً للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتأسية وتعزية وتسلية: ﴿وكم أرسلنا﴾ أي على ما لنا من القدرة على ذلك والعظمة الباهرة المقتضية لذلك.
ولما كان الإرسال يقع على أنحاء من الأشكال، ميزه بأن قال: ﴿من نبي في الأولين﴾ ثم حكى حالهم الماضية إشارة إلى استمرار حال الخلق على هذا فقال: ﴿وما﴾ أي والحال أنه ما ﴿يأتيهم﴾ وأغرق في النفس بقوله: ﴿من نبي﴾ أي في أمة بعد أمة بعد أمة وزمان بعد زمان ﴿إلا كانوا﴾ أي خلقاً وطبعاً وجبلة ﴿به يستهزءون *﴾ كما استهزأ قومك، وتقديم الظرف للإشارة إلى أن استهزاءهم به لشدة مبالغتهم فيه كأنه مقصور عليه.
ولما كان الاستهزاء برسول الملك استهزاء به، وكانت المماليك إنما تقام بالسياسة بالرغبة والرهبة وإيقاع الهيبة حتى يتم الجلال وتثبت العظمة، فكان لذلك لا يجوز في عقل عاقل أن يقر ملك على الاستهزاء به، سبب عن الاستهزاء بالرسل الهلاك فقال: ﴿فأهلكنا﴾ وكان الأصل الإضمار، ولكنه أظهر الضمير بياناً لما كان في الأولين من