عرى الدين فزلوا، وما كفاهم ذلك حتى ادعوا أنه من أعز المقربين لأن الذي كان آخر كلامه الإيمان، فجب ما كانا قبله ولم يتدنس بعده فمات طاهراً مطهراً ليس فيه شيء من الدنس مع أن ذلك ما كان إلا عند اليأس حيث لا نفع فيه، وغروا الضعفاء بأن قالوا: إنه لا صريح في القرآن بعذابه بعد الموت تعمية عن الدليل القطعي المنتظم من قوله تعالى ﴿وإن فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين﴾ [يونس: ٨٣] ﴿وإن المسرفين هم أصحاب النار﴾ [غافر: ٤٣] المنتج من غير شك أن فرعون من أصحاب النار، وقوله تعالى ﴿فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كانت عاقبة الظالمين﴾ [القصص: ٤٠] ﴿وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون﴾
وقوله تعالى ﴿كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد﴾ إلى أن قال ﴿إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب﴾ [ص: ١٤] غير ذلك من محكم الآيات وصريح الدلالات البينات، وكذا غير فرعون وقومه من الصالحين والطالحين جعلهم سبحانه سلفاً ومثلاً للآخرين، فمن أراد به خيراً يسر له مثل خير احتذى به، ومن أراد به شراً أضله بمثل سوء اقتدى به، فقد جعل الله عيسى عليه الصلاة والسلام مثلاً لتمام قدرته على اختراع الأشياء بأسباب وبغير أسباب، وكان أعبد أهل زمانه وأعلمهم وأزهدهم وأقربهم إلى الخير وأبعدهم عن الشر، فاقتدى


الصفحة التالية
Icon