لا ينفك عن غرابة بدأ بأنهار الماء لغرابتها في بلادهم وشدة حاجتهم إليها، ولما كان خلوها عن تغير أغرب نفاه، ولما كان اللبن أقل فكان جريه أنهاراً أغرب، ثنى به، ولما كان الخمر أعز ثلث به، ولما كان العسل أشرفها وأقلها ختم به، ونبه - مع هذا التذكير بقدرته تعالى - على ما يريد بسبب وبغير سبب فإن هذه المشروبات الثلاثة التي وبعضها متمحض للشرابية كالخمر وبعضها في غذائية وهي فيه أغلب، وهو العسل، وبعضها ينزع إلى كل منهما وهو اللبن كلها من الماء مع تمايزها مذاقاً وأثراً في الغذاء والدواء وغير ذلك، فإن الماء أصل النبات، ومن النبات يكون اللبن والخمر والعسل بما لا يخفى من الأسباب، وأما الآخرة فغنية عن الأسباب لظهور اسمه الظاهر سبحانه هناك لأنه لا ابتلاء فيها، وبهذا فهم للترتيب سر آخر وهو أنه تعالى قدم الماء لأنه الأصل لها، وتلاه بأقرب الأشياء إليه في الشرابية والطبع: اللبن، ثم بما هو أقرب إلى اللبن من جهة أنه شراب فقط، ثم بالعسل لأنه أبعدها منه.
ولما كانت الثمار ألذ مستطاب بعد سائغ الشراب قال تعالى: