ذكر التدبر أولاً دليلاً على ضده ثانياً، والأقفال ثانياً دليلاً على ضدها أولاً، وسره أنه ذكر نتيجة الخير الكافلة بالسعادة أولاً وسبب الشر الجامع للشقاوة ثانياً.
ولما أخبر سبحانه وتعالى بأقفال قلوبهم، بين منشأ ذلك، فقال مؤكداً تنبهاً لمن لا يهتم به على أنه مما ينبغي الاهتمام بالنظر فيه ليخلص الإنسان نفسه منه، وتكذيباً لمن يقال: إن ذلك حسن: ﴿إن الذين ارتدوا﴾ أي عالجوا نفوسهم في منازعة الفطرة الأولى في الرجوع عن الإسلام، وهو المراد بقوله: ﴿على أدبارهم﴾ أي من أهل الكتاب وغيرهم، فقلبوا وجوه الأمور إلى ظهورها، فوقعوا في الضلال فكفروا.
ولما كان الذي يلامون عليه ترك ما أتاهم به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مما أوحاه الله سبحانه إليه من الشريعة، لا ما في غرائزهم من الملة التي يكفي في الهداية إليها نور العقل، وكان الذم لاحقاً بهم ولو كان ارتدادهم في أدنى وقت، أثبت الجار فقال: ﴿من بعد ما تبين﴾ غاية البيان الذي لا خفاء معه بوجه وظهر غاية الظهور ﴿لهم﴾ بالدلائل التي هي من شدة ظهورها غنية عن بيان مبين ﴿الهدى﴾ أي الذي أتاهم به رسولنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.