ولما كان من له أدنى عقل لا يخون إلا إذا ظن أن خيانته تخفي ليأمن عاقبتها، صور قباحة ما ارتكبوه فقال: ﴿والله﴾ أي قالوا ذلك والحال أن الملك الأعظم المحيط بكل شيء علماً وقدرة ﴿يعلم﴾ على مر الأوقات ﴿إسرارهم *﴾ أي كلها هذا الذي أفشاه عليهم وغيره مما في ضمائرهم مما لم يبرز على ألسنتهم، ولعلهم لم يعلموه هم فضلاً عن أقوالهم التي تحدثت بها ألسنتهم فبان بذلك أنه لا أديان لهم ولا عقول ولا مروءات.
ولما بين تعالى إحاطة علمه بهم، أتبعه إحاطة قدرته فقال تعالى مسبباً عن خيانتهم وهم في القبضة بما لا يخفى مما يريدون به صيانة أنفسهم عن القتل معبراً بالاستفهام تنبيهاً على أن حالهم مما يجازون به على هذا الاستحقاق له من البشاعة والقباحة والفظاعة ما يحق السؤال عنه لأجله فقال: ﴿فكيف﴾ أي حالهم ﴿إذا توفتهم الملائكة﴾ أي قبضت رسلنا وهم ملك الموت وأعوانه أرواحهم كاملة، فجازتها إلى دار الجزاء مقطوعة عن جميع أسبابهم وأنسابهم فلم ينفعهم تقاعدهم عن الجهاد في تأخير آجالهم، وصور حالهم وقت توفيهم