والحكمة إلى الخلق كافة ﴿شاهداً﴾ على أفعالهم من كفر وإيمان وطاعة وعصيان، من كان بحضرتك فبنفسك ومن كان بعد موتك أو غائباً عنك فبكتابك، مع ما أيدناك به من الحفظة من الملائكة.
ولما كانت البشارة محبوبة إلى النفوس رغبهم فيما عنده من الخيرات وحببهم فيه بصوغ اسم الفاعل منها مبالغة فيه فقال تعالى: ﴿ومبشراً﴾ أي لمن أطاع بأنواع البشائر. ولما كانت لنذارة كريهة جداً، لا يقدم على إبلاغها إلا من كمل عرفانه بما فيها من المنافع الموجبة لتجشم مرارة الإقدام على الصدع بها، أتى بصيغة المبالغة فقال تعالى: ﴿ونذيراً *﴾.
ولما ذكر حال الرسالة، ذكر علتها فقال: ﴿لتؤمنوا﴾ أي الذين حكمنا بإيمانهم ممن أرسلناك إليهم - هذا على قراءة ابن كثير وأبي عمرو بالغيب، وعلى قراءة الباقين بالخطاب المعنى. أيها الرسول ومن قضينا بهداه من أمته، مجددين لذلك في كل لحظة مستمرين عليه، وكذا الأفعال بعده، وذلك أعظم لطفاً لما في الأنس بالخطاب من رجاء الاقتراب ﴿بالله﴾ أي الذي لا يسوغ لأحد من خلقه - والكل خلقه - التوجه إلى غيره لاستجماعه لصفات الجلال والإكرام ﴿ورسوله﴾