ولما كان هذا موضحاً لما لوح به آخر تلك من البشارة في ظاهر النذارة، علل الإنزال أو استأنف ما فيه من واضح النذارة الموصل إلى المعاني المقتضية للبشارة، فقال مؤكداً لأجل تكذيبهم: ﴿إنا﴾ أي على ما نحن عليه من الجلال ﴿كنا﴾ بما لنا من العظمة دائماً لعبادنا ﴿منذرين *﴾ لا نؤاخذهم من غير إنذار، فلأجل رحمتنا لهؤلاء القوم وهم أرق الناس طبعاً وأصفاهم قلوباً وأوعاهم سمعاً نوصلهم بما هيأناهم به من ذلك إلى ما لم يصل غيرهم إليه ولم يقاربه من المعالي في الأخلاق والشمائل والاكتساب لجميع الفضائل.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: لما تضمنت سورة حم السجدة وسورة الشورى من ذكر الكتاب العزيز ما قد أشير إليه مما لم تنطو سورة غافر على شيء منه، وحصل من مجموع ذلك الإعلام بتنزيله من عند الله وتفصيله وكونه قرآناً عربياً إلى ما ذكر تعالى من خصائصه إلى قوله ﴿وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون﴾ [الزخرف: ٤٤] وتعلق الكلام بعد هذا بعضه ببعض إلى آخر السورة، افتتح تعالى سورة الدخان بما يكمل ذلك الغرض، وهو التعريف بوقت إنزاله إلى سماء الدنيا فقال تعالى: ﴿إنا أنزلناه في ليلة مباركة﴾ ثم ذكر من فضلها فقال ﴿فيها يفرق كل أمر حكيم﴾ فحصل وصف الكتاب بخصائصه والتعريف بوقت إنزاله إلى


الصفحة التالية
Icon