بما يقتضيه الحال من الترغيب والترهيب: ﴿يغفر لمن يشاء﴾ أي لا اعتراض لأحد عليه بوجه ما ﴿ويعذب من يشاء﴾ أي لأنه لا يجب عليه شيء ولا يكافيه شيء، وليس هو كالملوك الذين لا يتمكنون من مثل ذلك لكثرة الأكفاء المعارضين لهم في الجملة، وعلم من هذا التقسيم المبهم أيضاً أن منهم من يرتد فيعذبه، ومنهم من يثبت على الإسلام فيغفر له لأنه لا يعذب بغير ذنب وإن كان له أن يفعل ذلك، لأنه لا يسأل عما يفعل وملكه تام، فتصرفه فيه عدل كيفما كان. ولما كان من يفعل الشيء في وقت قد لا يستمر على وصف القدرة عليه قال تعالى: ﴿وكان الله﴾ أي المحيط بصفات الكمال أزلاً وأبداً، لم يتجدد له شيء لم يكن. ولما ابتدأ الآية بالمغفرة ترغيباً في التوبة، ختم بذلك لأن المقام له، وزاد الرحمة تشريفاً لنبي المرحمة بالترغيب والدلالة على أن رحمته غلبت غضبه فقال: ﴿غفوراً﴾ أي لذنوب المسيئين ﴿رحيماً *﴾ أي مكرماً بعد الستر بما لا تسعه العقول، وقدرته على الإنعام كقدرته على الانتقام. ولما ذم المخلفين بما منه - أي من الذم - أنهم هالكون بعد أن قدم أنه لعنهم، وكان قد وعد


الصفحة التالية
Icon