كما يمتحن الصائغ الذهب والفضة بالإذابة للتنقية والتخليص من كل غش لأجل إظهار ما بطن فيها من التقوى ليصير معلوماً للخلق في عالم الشهادة كما كان معلوماً له سبحانه في عالم الغيب، وهو خروجهم عن العادات البشرية ومفارقتهم لما توجبه الطبيعة، وهو حقيقة التوحيد، فإن التقوى لا تظهر إلا عند المحن والشدائد بالتكليف وغيرها، ولا تثبت إلا بملازمة الطاعة في المنشط والمكره والخروج عن مثل ذلك.
ولما كان الإنسان وإن اجتهد في الإحسان محلاًّ للنقصان، استأنف الإخبار عن جزائهم بقوله: معرباً له من فاء السبب، إشارة إلى أن ذلك بمحض إحسانه: ﴿لهم مغفرة﴾ أي لهفواتهم وزلاتهم ﴿وأجر عظيم *﴾ أي جزاء لا يمكن وصفه على محاسن ما فعلوه.
ولما نهى سبحانه عن الإخلال بالأدب، وأمر بالمحافظة على التعظيم، وذكر وصف المطيع، أتبع ذلك على سبيل النتيجة وصف من أخل به، فقال مؤكداً لأجل أن حالهم كان حال من يدع عقلاً تاماً: ﴿إن الذين ينادونك﴾ أي يجددون نداءك من غير توبة والحال أن نداءهم إياك كائن ﴿من وراء﴾ إثبات هذا الجار يدل على أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان داخلها، ولو سقط لم يفد ذلك، بل كان


الصفحة التالية
Icon