وهذا على تقدير أن يكون ما ظنوا من أن فيه خيراً فكانوا يعقلون، ففي التعبير بذلك مع الإنصاف بل الإغضاء والإحسان هز لهم إلى المعالي وإرشاد إلى ما يتفاخرون به من المحاسن، قال الرازي: قال أبو عثمان: الأدب عند الأكابر يبلغ بصاحبه إلى الدرجات العلى والخير في الأولى والعقبى - انتهى. وأخيرية صبر في الدين معروفة، وأما في الدنيا فإنهم لو تأدبوا لربهم زادهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الفضل فأعتق جميع سبيهم وزادهم، والآية في الاحتباك: حذف التعليل بعدم الصبر أولاً لما دل عليه ثانياً، والعقل ثانياً لما دل عليه من ذكره أولاً.
ولما ذكر التقدير تأديباً لنا وتدريباً على الصفح عن الجاهل وعذره وتعليمه: ولكنهم لم يصبروا وأساؤوا الأدب فكان ذلك شراً لهم والله عليم بما فعلوا حليم حيث لم يعاجلهم بالعقوبة لإساءتهم الأدب على رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عطف عليه استعطافاً لهم مع إفهامه الترهيب: ﴿والله﴾ أي المحيط بصفات الكمال ﴿غفور﴾ أي ستور لذنب من تاب من جهله ﴿رحيم *﴾ يعامله معاملة الراحم فيسبغ عليه نعمه. ولما تابوا، أعتبهم الله في غلظتهم على خير خلقه أن جعلهم أغلظ الناس على شر الناس: الدجال، فإن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إنهم


الصفحة التالية
Icon