لأدنى أسنان القلوب، وعبر بأداة الشك إيذاناً بقلة الفاسق فيهم وقلة مجيئه إليهم بخبر له وقع، فقال: ﴿إن جاءكم﴾ أي في وقت من الأوقات ﴿فاسق﴾ أي خارج من ربقة الديانة أيّ فاسق كان ﴿بنبأ﴾ أي خبر يعظم خطبه فيؤثر شراً، أيّ خير كان مما يكون كذلك؟ ﴿فتبينوا﴾ أي عالجوا البيان وهو فصل الخطأ من الصواب، استعمالاً لغريزة العقل المنفي عن المنادين واتصافاً بالغفران والرحمة ليرحمكم الله ويغفر لكم، وهذه القراءة غاية لقراءة حمزة والكسائي بالمثلثة ثم المثناة الفوقية، والسياق مرشد إلى أن خبر الفاسق كالنمام والساعي بالفساد كما أنه لا يقبل فلذلك لا يرد حتى يمتحن، وإلى أن خبر العدل لا وقفة فيه، وإلا لاستوى مع الفاسق، فالتثبت معلل بالفسق، فإذا انتفى ولم توجد علة أخرى توجب التثبت وجب القبول، والمعلق على شيء بكلمة «إن» عدم عند عدمه، والتبين بأحد شيئين: بمراجعة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن كان حاضراً، وبمراجعة آثاره من كتاب الله وسنته إلى أن تبين الأمر منهما إن كان غائباً، فإنه لا تكون أبداً كائنة إلا وفي الكتاب والسنة المخرج منها.
ولما أمر بالتبين، ذكر علته فقال: ﴿أن﴾ أي لأجل كراهة أن ﴿تصيبوا﴾ أي بأذى ﴿قوماً﴾ أي هم مع قوتهم النافعة