والنفوس لا تموت ولكنها تعيش ﴿الذين آمنوا﴾ أي صدقوا معترفين ﴿بالله﴾ معتقدين جميع ما له من صفات الكمال ﴿ورسوله﴾ شاهدين برسالته، وهذا هو المعرفة التي هي العلم، وغايتها الحكمة، وهذا الإثبات هنا يدل على أن المنفي فيما قيل الكمال لا المطلق، وإلا لقال «إنما الذين آمنوا».
ولما كان هذا عظيماً والثبات عليه أعظم، وهو عين الحكمة، أشار إلى عظيم مزية الثبات بقوله: ﴿ثم﴾ أي بعد امتطاء هذه الرتبة العظيمة ﴿لم يرتابوا﴾ أي ينازعوا الفطرة الأولى في تعمد التسبب إلى الشك ولم يوقعوا الشك في وقت من الأوقات الكائنة بعد الإيمان، فلا يزال على تطاوله الأمنة وحصول الفتن وصفهم بعد الريب غضاً جديداً، ولعله عبر بصيغة الافتعال إشارة إلى العفو عن حديث النفس الذي لا يستطيع الإنسان دفع أصله ويكرهه غاية الكراهة ويجتهد في دفعه، فإذا أنفس المذموم المشي معه والمطاولة منه حتى يستحكم.
ولما ذكر الأمارة الباطنة على وجه جامع لجميع العبادات المالية والبدنية قال: ﴿وجاهدوا﴾ أي أوقعوا الجهاد بكل ما ينبغي أن تجهد النفس فيه تصديقاً لما ادعوه بألسنتهم من الإيمان ﴿بأموالهم﴾ وذلك هو العفة ﴿وأنفسهم﴾ أعم من النية وغيرها، وذلك هو


الصفحة التالية
Icon