﴿في ضلال بعيد *﴾ محيط به من جميع جوانبه لا يمكن رجوعه معه، فلذلك كان يبادر إلى كل ما يغضب الله، وإن حركته إليه أن فإنه لا يحتاج إلى أدنى تحريك فيثور له ثورة من هو مجبول مركوز في طباعه.
ولما كان كأنه قيل: بم يجاب عن هذا؟ وهل يقبل منه؟ قيل: لا ﴿قال﴾ أي الملك المحيط علماً وقدرة الذي حكم عليهم في الأزل: ﴿لا تختصموا﴾ أي لا توقعوا الخصومة بهذا الجد والاجتهاد ﴿لديَّ﴾ أي في دار الجزاء بهذه الحضرة التي هي فوق ما كنتم تدركونه من الأخبار عنها بكثير، وأعجب بما يدرك حق الإدراك، فقد أتم انكشاف ما كان يستغربه الخاصة بل خاصة الخاصة، ففات بانكشافها نفع إيمان جديد ﴿وقد﴾ أي والحال أنه قد ﴿قدمت﴾ أي تقدمت، أي أمرت وأوصيت قبل هذا الوقت موصلاً ومنهياً ﴿إليكم﴾ أي كل ما ينبغي تقديمه حتى لم يبق لبس ولا تركت لأحد حجة بوجه، وجعلت ذلك رفقاً بكم ملتبساً ﴿بالوعيد *﴾ أي التهديد وهو التخويف العظيم على جميع ما ارتكبتموه من الكفران والعدوان في الوقت الذي كانت فيه هذه الحضرة التي هي غيب الغيب ومستورة بستائر الكبرياء والعظمة وبل كان ما دونها من الغيب مستوراً، فكان الإيمان به نافعاً.
ولما كانت الأوقات كلها عنده سبحانه حاضرة، عبر سبحانه في تعليل ذلك ب «ما» التي للحاضر دون «لا» التي للمستقبل فقال: ﴿ما يبدل﴾ أي يغير من مغير ما كان من كان بوجه من الوجوه بحيث يجعل


الصفحة التالية
Icon