على أن غيرهم لو فعل هذا ليلة لأعجب بنفسه ورأى أنه لا أحد أفضل منه، وعلى أن استغفارهم في الكثرة يقتضي أنهم يكونون بحيث يظن أنهم أحق بالتذلل من المصرين على المعاصي، فإن استغفارهم ذلك على بصيرة لأنهم نظروا ما له سبحانه في الآفاق وفي أنفسهم من الآيات والحكم البالغة التي لا تحصى فعلموا أنه أهل لأن يطاع ويخشى فاجتهدوا وتركوا الهجوع، وأجروا الدموع، ثم قابلوا ذلك بنعمه فإذا الأعمال في غاية التقصير فأقبلوا على الاستغفار عالمين بأنه لا يمكن أن يقدر حق قدره.
ولما ذكر معاملتهم للخالق، أتبعه المعاملة للخلائق تكميلاً لحقيقة الإحسان فقال: ﴿وفي أموالهم﴾ أي كل أصنافها ﴿حق﴾ أي نصيب ثابت. ولما كان السياق هنا للإحسان، فكان إحسانهم لفرط محبتهم إلى عباد الله لا يوقفهم عن الواجب بخلاف ما في «سأل» من سياق المصلين مطلقاً ترك وصفه بالمعلومية فقال: ﴿للسائل﴾ أي الذي ينبه على حاجته بسؤال الناس وهو المتكفف ﴿والمحروم *﴾ وهو المتعفف الذي لا يجد ما يغنيه، ولا يسأل الناس ولا يفطن له ليتصدق عليه، وهذه صفة أهل الصفة رضي الله عنهم، فالمحسنون يعرفون صاحب هذا الوصف لما لهم من نافذ البصيرة ولله بهم من العناية.
ولما دل إقسامه بالسماء وما قبلها من الذاريات على ما له في العلويات من الآيات إلى أن ختم بالأموال التي تنبتها الأرض، فكان