ذلك لحق مثل ما أن هذا حق، فالذي جعل لكم قوة النطق من بين ما في الأرض بأسباب لا ترونها وتحصونها، ومع ما عداكم من ذلك بأسباب مثل ذلك قادر على الإتيان بوعده من الرزق وغيره ما دمتم تحتاجون إلى ذلك بما جعل فيكم من الحياة التي يصح بها العلم الناشىء عنه النطق المحوج إلى الرزق من أي جهة أرادوا، وإن لم تروا أسبابه كما أنه لو أراد لأنطق جميع من في السماوات والأرض من الجمادات بما يقيمه لها من الأسباب التي أقامها لكم وإن لم تروا ذلك.
ولما بين بما مضى من القسم وما أتبعه من أنه أودع في السماوات والأرض وما بينهما أسباباً صالحة للإتيان بما وعدناه من الخير، وما توعدنا به من الشر وإن كنا لم نرها وهو قادر مختار، فصار ذلك كالمشاهد، ولا وجه للتكذيب بوعد ولا وعيد، دل عليه وصوره بما شوهد من أحوال الأمم وبدأ - لأن السياق للمحسنين - برأس المحسنين من أهل هذه الأنباء الذي أخبرته الملائكة عليهم السلام بما سببه معه وإن كان على غير العادة. فتعجب زوجته من ذلك مع كونها أعلى نساء ذلك الزمان، وأتبع قصته قصة لوط ابن أخيه عليهما السلام لاتصال ما بين قصتيهما في الزمان، ولمناسبة عذابهم لما أقسم به في أول السورة، فإنه سبحانه أمر الذاريات فاقتلعتهم بقراهم وحملتها كما تحمل السحاب ثم كبتهم فرجمتهم، والأرض فخسفت بهم، والملائكة الموكلة بمثل ذلك،