وأما عبادنا المؤمنون فهيأنا لهم أسباب النجاة من السفينة وغيرها، وأعلمناهم بها، فكان كل ما أردنا وقاله عنا أولياؤنا فقال مغيراً للأسلوب تنبياً على العظمة بنفسه الإهلاك لكونه بما من شأن الإحياء والإبقاء والتصرف في الأسباب: ﴿وقوم﴾ أي وأهلكنا قوم ﴿نوح﴾ على ما كان فيهم من الكثرة وقوة المحاولة والقيام بما يريدونه، ويجوز أن يكون معطوفاً على «فيها» أي وتركناهم آية، ويحسن هذا الإعراب أنهم هلكوا جميعاً وكانوا جميع أهل الأرض، وعم عذابهم جميع الأرض، كانوا لهم الآية، ويؤيد هذا الإعراب قراءة أي عمرو وحمزة والكسائي بالجر عطفاً على ضمير «فيها».
ولما كان إهلاكهم على عظمه وانتشاره في بعض الزمان، أدخل الجارّ فقال: ﴿من قبل﴾ أي قبل هذه الأمم كلها، ثم علل إهلاكهم بقوله: ﴿إنهم كانوا﴾ خلقاً وطبعاً، لا حيلة لغيرنا من أهل الأسباب في صلاحهم ﴿قوماً﴾ أي أقوياء ﴿فاسقين *﴾ أي عريقين في الخروج عن حظيرة الدين.
ولما كان إهلاكهم بالماء الذي نزل من السماء، وطلع من الأرض بغير حساب، كان ربما ظن ظان أن كان الخلل كان فيهما، ثم أصلح بعد ذلك كما يقع لبعض من يصنع من الملوك صنعاً يبالغ في إتقانه فيختل، قال عاطفاً على ما نصب «يوم» مبيناً أن فعل ذلك


الصفحة التالية
Icon