السورة في ذكره إشارة إلى علي أمره، ثم علل بقوله مؤكداً لما لهم من الإنكار: ﴿إني لكم منه﴾ أي لا من غيره ﴿نذير﴾ أي من أن يفر أحد إلى غيره فإنه لا يحصل له قصده.
لما أقام الدليل العقلي الظاهر جداً بما يعلمه أحد في نفسه على ما قاله في هذا الكلام الوحيد قال: ﴿مبين *﴾ ففرار العامة من الجهل إلى العلم عقداً وسعياً، ومن الكسل إلى التشمير حذراً وحزماً، ومن الضيق إلى السعة ثقة ورجاء، وفرار الخاصة من الخير إلى الشهود، ومن الرسوم إلى الأصول، ومن الحظوظ إلى التجريد، وفرار خاصة الخاصة مما دون الحق إلى الحق إشهاداً في شهود جلاله واستغراقاً في وحدانيته، قال القشيري: ومن صح فراره إلى الله صح فراره مع الله - انتهى. وهو بكمال المتابعة ليس غيره، ومن فهم منه اتحاداً بصفة أو ذات فقد ما حد طريق القوم فعليه لعنه الله.
ولما ثبت أنه لا ملجأ إلا إلى الله الواحد المنزه عن الزوج، وذلك هو الله الذي له الكمال كله، وكان ربما وقع في وهم أن في الوجود من غير الزوجين المعروفين من نفزع إليه كما نفزع إلى وزير الملك وبوابه ونحو ذلك مما يوصل إليه، قال محذراً من سطواته: ﴿ولا تجعلوا﴾ أي بأهوائكم ﴿مع الله﴾ وكرر الاسم الأعظم ولم يضمر تعييناً للمراد لأنه لم يشاركه في التسمية به أحد وتنبيهاً على ما له من


الصفحة التالية
Icon