جميعها بالفعل، أثبت الجارّ في قوله: ﴿من قبلهم﴾ وعمم النفي بقوله: ﴿من رسول﴾ أي من عند الله ﴿إلا قالوا﴾ ولو بعضهم برضا الباقين: ﴿ساحر أو مجنون *﴾ لأن الرسول يأتيهم بمخالفة مألوفاتهم التي قادتهم إليها أهواؤهم، والهوى هو الذي أوجب لهم هذا التناقض الظاهر سواء كانت «أو» للتفصيل بأن بعضهم قال واحداً وبعضهم قال آخر، أو كانت للشك لأن الساحر يكون لبيباً فطناً آتياً بما يعجز عنه كثير من الناس، والمجنون بالضد من ذلك، ثم عجب منهم بقوله: ﴿أتواصوا به﴾ أي أوصى بهذا بعض الأولين والآخرين بعضاً.
ولما ساق هذا في أسلوب الاستفهام إشارة إلى قول ينبغي السؤال عن سببه لما له من الخفاء، أجاب عنه بأنهم لم يتواصوا به لأن الأولين ما اجتمعوا مع الآخرين: ﴿بل هم﴾ اجتمعوا في وصف أداهم إلى ذلك.
وهو أنهم ﴿قوم﴾ أي ذوو شماخة وكبر ﴿طاغون *﴾ أي عالون في الكفر مسرفون في الظلم والمعاصي مجاوزون للمقدار، وأشار بالضمير إلى أن الطغيان أمر ذاتي لهم، فهو يمدح منه سبحانه بأنه هو الذي قهرهم بسوقهم إلى هلاكهم بقدرته التامة وعلمه الشامل.
ولما كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يكاد يتلف نفسه الشريفة - بأبي هو وأمي - غماً عليهم وأسفاً لتخلصهم عن الإسلام وخوفاً أن لا يكون وفى بما عليه من التنبيه والإعلام، سبب تعالى عن حالهم قوله: