الضلال لا يختلفون إلا اختلافاً يسيراً لا يضر مثله ولا يعد اختلافاً.
ولما كان حالهم بعد هذا الإيتاء مجملاً، فصله فقال تعالى: ﴿فما اختلفوا﴾ أي أوقعوا الاختلاف والافتراق بغاية جهدهم، ولما لم يكن اختلافهم مستغرقاً لجميع الزمن الذي بعد الإيتاء، أثبت الجار فقال: ﴿إلا من بعد ما جاءهم العلم﴾ الذي من شأنه الجمع على المعلوم، فكان ما هو سبب الاجتماع سبباً لهم في الافتراق لأن الله تعالى أراد ذلك وهو عزيز.
ولما كان هذا عجباً، بين علته محذراً من مثلها فقال: ﴿بغياً﴾ أي للمجاوزة في الحدود التي اقتضاها لهم طلب الرئاسة والحسد وغيرهما من نقائص النفوس. ولما كان البغي على البعيد مذموماً، زاده عجباً بقوله: ﴿بينهم﴾ واقعاً فيهم لم يعدهم إلى غيرهم، وقد كانوا قبل ذلك وهم تحت أيدي القبط في غاية الاتفاق واجتماع الكلمة على الرضا بالذل، ولذلك استأنف قوله الذي اقتضاه الحال على ما يشاهده العباد من أفعال الملوك فيمن خالف أوامرهم، مؤكداً لأجل إنكارهم. ﴿إن ربك﴾ أي المحسن إليك بإرسالك وتكثير أمتك وحفظهم مما ضل به القرون الأولى وبيان يوم الفصل الذي هو محط الحكمة بياناً لم يبينه على لسان أحد ممن سلف ﴿يقضي بينهم﴾ بإحصاء الأعمال والجزاء


الصفحة التالية
Icon