المقصود من الجملة الأولى: ﴿سواء﴾ أي مستو استواء عظيماً ﴿محياهم ومماتهم﴾ أي حياتهم وموتهم وزمان ذلك ومكانه في الارتفاع والسفول واللذة والكدر وغير ذلك من الأعيان والمعاني. ولما كان هذا مما لا يرضاه أحد لمن تحت يده ولا لغيره، قال معبراً بمجمع الذم: ﴿ساء ما يحكمون *﴾ أي بلغ حكمهم هذا في نفسه ولا سيما وهم بإصرارهم عليه في تجديد له كل ساعة أقصى نهايات السوء، فهو مما يتعجب منه، لأنه لا يدري الحامل عليه، وذلك أنه نسبوا الحكيم الذي لا حكيم في الحقيقة غيره إلى ما لا يفعله أقل الناس فيمن تحت يده.
ولما أنكر التسوية وذمهم على الحكم بها، أتبع ذلك الدليل القطعي على أن الفريقين لا يستويان وإلا لما كان الخالق لهذا الوجود عزيزاً ولا حكيماً، فقال دالاً على إنكار التسوية وسوء حكمهم بها، عاطفاً على ما تقديره: فقد خلق الله الناس كلهم بالحق وهو الأمر الثابت الذي يطابقه الواقع، وهو ثبات أعمال المحسنين وبطلان أفعال المسيئين، عطف عليه قوله: ﴿وخلق الله﴾ أي الذي له جميع أوصاف الكمال ولا يصح ولا يتصور أن يحلقه نوع نقص ﴿السماوات والأرض﴾ اللتين هما ظرف لكم وابتدئت السورة بالتنبيه على آياتهما، خلقاً ملتبساً ﴿بالحق﴾ فلا يطابق الواقع فيهما أبداً شيئاً باطلاً،


الصفحة التالية
Icon