ودل على أن إنذاره كان جديراً بالقبول لكونه واضح الحقيقة بما سبب عن ذلك من قوله: ﴿فتماروا﴾ أي تكلفوا الشك الواهي ﴿بالنذر *﴾ أي الإنذار مصدراً والإنذارات أو المنذرين حتى أداهم إلى التكذيب، فكان سبباً للأخذ.
ولما كان ترك الاحتياط في إعمال الحيلة في وجه الخلاص من إنذار النذير عظيم العرافة في السفه دل على أنهم تجاوزوا ذلك إلى انتهاك حرمة النذير، فقال مقسماً لأن مثل ذلك لا يكاد يقع فلا يصدق من حكاه: ﴿ولقد راودوه﴾ أي زادوا في التكذيب الموجب للتعذيب أن عالجوا معالجة طويلة تحتاج إلى فتل ودوران ﴿عن ضيفه﴾ ليسلمهم إليهم وهم ملائكة في هيئة شباب مرد، وأفردوا وإن كان المراد الجنس استعظاماً لذلك لو كان الضيف واحداً ﴿فطمسنا﴾ أي فتسبب عن مراودتهم أن طمسنا بعظمتنا ﴿أعينهم﴾ فسويناها مع سائر الوجوه فصارت بحيث لا يرى لها شق، قال البغوي: هذا قول أكثر المفسرين، وذلك بصفقة صفقها لهم جبريل عليه الصلاة والسلام، وقال القشيري: مسح بجناحيه على وجوههم فعموا ولم يهتدوا للخروج، وقال ابن جرير: والعرب تقول: طمست الريح الأعلام - إذا دفنتها بما يسفي عليها من التراب.
فانطلقوا هراباً مسرعين إلى الباب لا يهتدون إليه ولا يقعون عليه بل يصادمون الجدران خوفاً مما هو أعظم من ذلك وهم يقولون: عند لوط أسحر الناس، وما أدتهم عقولهم أن يؤمنوا فينجوا أنفسهم مما حل بهم، قال القشيري:


الصفحة التالية
Icon