ولما كان كأنه قيل: فكان ماذا بخلقه، قال: ﴿علمه البيان *﴾ وهو القوة الناطقة، وهي الإدراك للأمور الكلية والجزئية والحكم الحاضر والغائب بقياسه على الحاضرة تارة بالتوسم وأخرى بالحساب ومرة بالعيافة والزجر وطوراً بالنظر في الآفاق وغير ذلك من الأمور مع التمييز بين الحسن والقبيح وغير ذلك ما أدعه سبحانه وتعالى له مع تعبيره عما أدركه بما هو غائب في ضميره وإفهامه للغير تارة بالقول وتارة بالفعل نطقاً وكتابة وإشارة وغيرها، فصار بذلك ذا قدرة على الكمال في نفسه والتكميل لغيره، فهذا تعليم البيان الذي مكن من تعليم القرآن، وهذا وإن كان سبحانه جبلنا عليه وخلقناه به قد صار عندنا مألوفاً ومشهوراً معروفاً، فهو عند غيرنا على غير ذلك مما أوضحه لنا سبحانه نعمة علينا بمحاجته لملائكته الكرام عن نبينا آدم عليه الصلاة والسلام وما أبدى لهم من علمه وبهرهم من رسم كل شيء بمعناه واسمه.
ولما بين سبحانه النعمة في تعليم القرآن الذي هو حياة الأرواح، وبين الطريق فيها، دل على البيان بذكر البينات التي يجمعها أمر ويفرقها آخر، ولها مدخل في حياة الأشباح، وعددها على سبيل الامتنان بياناً لأنها من أكبر النعم فقال في جواب من قال: ما بيانه؟ بادئاً بالكوكب الأعظم الذي هو أعظم نوراً وأكبر جرماً وأعم نفعاً ليكون خضوعه


الصفحة التالية
Icon