ولما كانت مع كونها عالية على الماء منغمسة فيه مع أنه ليس لها من نفسها إلا الرسوب والغوص قال: ﴿في البحر﴾ ولما كانت ترى على البعد كالجبال على وجه الماء قال: ﴿كالأعلام *﴾ أي كالجبال الطوال.
ولما كان ما فيها من المنافع بالتكسب من البحر بالصيد وغيره والتوصل إلى البلاد الشاسعة للفوائد الهائلة، وكانت أعمالهم في البحر الإخلاص الذي يلزم منها الإخلاص في البر، لأنهما بالنسبة إلى إبداعه لهما وقدرته على التصرف فيهما بكل ما يريده على حد سواء، سبب عن ذلك قوله: ﴿فبأيِّ آلاء ربكما﴾ أي النعمة العظمى ﴿تكذبان *﴾ أبنعمة البصر من تحتكم أو غيرها من الأسفار، في محل الأخطار، والإنجاء عند الاضطراب والريح في محل الخسار، والإرشاد إلى ذلك بعد خلق مواد السفن وتعليم صنعتها وتسخيرها والفلك لعدصي لوهما (؟) بمثابة جميع الكون، فخدامها كالملائكة في إقامة الملكوت وتحسين تماسكه بإذن ربهم، والمسافرون بها الذين أنشئت لأجلهم وزان المأمورين المكلفين المتهيئين الذين من أجلهم خلقت السماوات والأرض وما بينهما فعبر بهم من غربتهم إلى قرارهم، ومن غيبتهم إلى حضورهم ومشاهدهم، ومدبرها أمرها في أعلاها يأمرهم بأمره فيعدونه ويسمعون له، ثم قد يصرف الاعتبار إلى أن تكون آية على قطع المؤمن أيام الدنيا فالدنيا هي البحر، والسفينة جسمه، وباطن العبد هو المحمول فيها، العقل صاحب سياستها، والقوى خدمتها، وأمر الله وتدبيره محيط بها، والإيمان أمنتها، والتوفيق


الصفحة التالية
Icon