يبني ما ينفعه مجتهداً في البناء إذ هو غلبه طبعه فهدم أكثر ما بنى، وبينا هو يظن أنه قد قرب إذا هو تحقق بمثل ذلك أنه قد بعد، نزحت داره وشط مزاره، فالله المستعان.
ولما كان الاستثناء، معيار العموم، ساق بصورة الاستثناء قوله: ﴿إلا قيلاً﴾ أي هو في غاية اللطافة والرقة بما دل عليه المبني على ما قبلها محاسن مع ما تدل عليه مادة قوله. ولما تشوف السامع إليه بالعبير بما ذكر، بينه بقوله: ﴿سلاماً﴾ ودل على دوامه بتكريره فقال: ﴿سلاماً *﴾ أي لا يخطر في النفس ولا يظهر في الحس منهم قول إلا دالاًّ على السلامة لأنه لا عطب فيها أصلاً، وساقه مساق الاستثناء المتصل دلالة على أنه إن كان فيها لغو فهو ذلك حسب، وهو ما يؤمنهم وينعمهم ويبشرهم مع أنه دال على حسن العشرة وجميل الصحبة وتهذيب الأخلاق وصفاء المودة.
ولما أتم سبحانه القسم الأول القلبي السوائي المولي من الثلاثة بقسميه، وذكر في جزائه مما لأصحاب المدن ما لا يمكنهم الوصول إليه، عطف عليه الثاني الذي هو دونه لذلك وهم والله أعلم الأبرار وهم أيضاً صنفان، وذكر في جزائهم من جنس ما لأهل البوادي أنهى ما يتصورونه ويتمنونه فقال: ﴿وأصحاب اليمين *﴾ ثم فخم أمرهم وأعلى مدحهم لتعظيم جزائهم، والإشارة إلى أنهم أهل لأن يسأل عن حالهم فإنهم في غاية الإعجاب فقال: ﴿ما أصحاب اليمين﴾ ولما عبر عنهم بما


الصفحة التالية
Icon