فإن بعضهم تأكله السباع أو الحيتان أو الطيور فتنشأ أبدانُها منه، بعضهم يصير تراباً فربما نشأ منه نبات فأكلته الدواب، فنشأ منه أبدانها، وربما صار ترابه من معادن الأرض كالذهب والفضة والحديد والحجر ونحو ذلك، وقد لمح إلى ذلك قوله تعالى: ﴿قل كونوا حجارة أو حديداً أو خلقاً﴾ إلى آخرها، أو يكون المعنى كما قال البغوي: نأتي بخلق مثلكم بدلاً منكم ونخلقكم فيما لا تعلمون من الصور. أي بتغيير أوصافكم وصوركم في صور أخرى بالمسخ، ومن قدر على ذلك قدر على الإعادة.
ولما كان التقدير: فلقد علمتم النشأة الثانية النطفية، عطف عليه قوله مؤكداً تنبيهاً على أنهم لما كانوا يعملون بخلاف ما يعلمون كانوا كأنهم منكرون لهذا العلم: ﴿ولقد علمتم﴾ أي أيها العرب ﴿النشأة الأولى﴾ الترابية لأبيه آدم عليه الصلاة والسلام: أو اللحمية لأمكم حواء عليها السلام حيث لم يكن هناك طبيعة تقتضي ذلك، وإلا لوجد مثل ذلك بعد ذلك، والنطفية لكم، وكل منها تحويل من شيء إلى غيره، فالذي شاهدتم قدرته على ذلك لا يقدر على تحويلكم بعد أن تصيروا تراباً إلى ما كنتم عليه أولاً من الصورة؟ ولهذا سبب عما تقدم قوله: ﴿فلولا﴾ أي فهلا ولم لا ﴿تذكرون *﴾ أي تذكراً عظيماً تكرهون أنفسكم وإن كان فيه خفاء ما - مما أشار إليه الإدغام من أن الملوم عليه غيب، وكذا


الصفحة التالية
Icon