ولم يؤمن لم يبق له من الممحلات إلا أن يقول: هذا البيان ليس لظهور المدعى وثبوته بل لقوة عارضة المدعي وقوته على تركيب الأدلة وصوغ الكلام وتصريف وجوه المقال، وهو يعلم أنه يغلب لقوة جداله لا لظهور مقاله، كما أنه ربما يقول أحد المتناظرين عند انقطاعه لخصمه: أنت تعلم أن الحق معي لكنك تستضعفني ولا تنصفني، فحينئذ لا يبقى للخصم جواب إلا الإقسام بالإيمان التي لا مخرج عنها أنه غير مكابر وأنه منصف، وإنما يفزع إلى الإيمان لأنه لو أتى بدليل آخر لكان معرضاً لمثل هذا، فيقول: وهذا غلتني فيه لقوة جدالك وقدرتك على سوق الأدلة ببلاغة مقالك، فلذلك كانوا إذا أفحمهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالوا: إنه يريد أن يتفضل علينا فيما نعلم خلافه، فلم يبق إلا الإقسام، فأنزل الله أنواعاً من الأقسام بعد الدلائل العظام، ولهذا كثرت الآيات في أواخر القرآن، وفي السبع الأخيرة خاصة أكثر، فلذلك سبب عن هذه الأدلة الرائعة والبراهين القاطعة قوله: ﴿فلا أقسم﴾ بإثبات «لا» النافية، إما على أن يكون مؤكدة بأن ينفي ضد ما أثبته القسم، فيجمع الكلام بين إثبات المعنى المخبر به ونفي ضده، وإما على تقدير أن هذا المقام يستحق لعظمته وإنكارهم له أن


الصفحة التالية
Icon